الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***
هي في اللغة ما ينفق الإنسان على عياله ونحو ذلك قال تعالى: {وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم}، ويقال أنفق الرجل من النفقة قال تعالى: {لينفق ذو سعة من سعته} وأنفق القوم إذا أنفقت سوقهم وأنفق الرجل إذا ذهب ماله، ويقال منه قوله تعالى: {إذن لأمسكتم خشية الإنفاق} أي خشية الفقر، ويقال نفقت السلعة نفاقا نقيض كسدت ونفقت الدابة نفوقا إذا ماتت كذا في ضياء الحلوم، وبه علم أن النفقة المرادة هنا ليست مشتقة من النفوق بمعنى الهلاك ولا من النفق ولا من النفاق، بل هي اسم للشيء الذي ينفقه الرجل على عياله، وأما في الشريعة فذكر في الخلاصة، قال هشام سألت محمدا عن النفقة، قال النفقة هي الطعام والكسوة والسكنى ا هـ. قالوا ونفقة الغير تجب على الغير بأسباب ثلاثة بالزوجية والقرابة والملك فبدأ بالأول لمناسبة ما تقدم من النكاح والطلاق والعدة. (قوله: تجب النفقة للزوجة على زوجها والكسوة بقدر حالهما) أي الطعام والشراب بقرينة عطف الكسوة والسكنى عليها والأصل في ذلك قوله تعالى: {لينفق ذو سعة من سعته} وقوله تعالى: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف}، وقوله عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع {ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف} وعليه إجماع الأمة؛ ولأن النفقة جزاء الاحتباس فكل من كان محبوسا بحق مقصود لغيره كانت نفقته عليه أصله القاضي والعامل في الصدقات والمفتي والوالي والمضارب إذا سافر بمال المضاربة، والمقاتلة إذا أقاموا لدفع عدو المسلمين واعترض بأن الرهن محبوس لحق المرتهن وهو الاستيفاء؛ ولذا كان أحق به من سائر الغرماء مع أن نفقته على الراهن وأجيب بأنه محبوس بحق الراهن أيضا وهو وفاء دينه عنه عند الهلاك مع كونه ملكا له أطلق في الزوجة فشمل المسلمة والكافرة الغنية والفقيرة وأطلق في الزوج فشمل الغني والفقير والصغير والكبير بشرط أن يكون للصغير مال وإلا فلا شيء على أبيه لها كما قدمناه في مهرها، ولم يذكر المصنف طريق إيصال النفقة إليها وهو نوعان: تمكين، وتمليك فالتمكين متعين فيما إذا كان له طعام كثير وهو صاحب مائدة فتمكين المرأة من تناول مقدار كفايتها، فليس لها أن تطالبه بفرض النفقة وإن لم يكن بهذه الصفة فإن رضيت أن تأكل معه فبها ونعمت وإن خاصمته في فرض النفقة يفرض لها بالمعروف وهو التمليك كذا في غاية البيان وظاهر ما في الذخيرة أن المراد بصاحب الطعام الكثير أن ينفق على من لا تجب عليه نفقته فحينئذ هي متعنتة في طلب الفرض؛ لأنه إذا كان ينفق على من لا تجب عليه نفقته فلا يمتنع من الإنفاق على من عليه نفقته إلا إذا ظهر للقاضي أنه يضربها ولا ينفق عليها فحينئذ يفرض لها النفقة ا هـ. وظاهر ما في غاية البيان أن النفقة المفروضة تصير ملكا للمرأة إذا دفعها إليها فلها التصرف فيها من بيع وهبة وصدقة وادخار ويدل على ذلك ما في الخلاصة لو سرقت الكسوة أو هلكت النفقة لا يفرض لها أخرى بخلاف المحارم، ولو فرض لها دراهم وبقي منها شيء يفرض بخلاف المحارم ا هـ. وفي الذخيرة لو فرض لها القاضي عشرة دراهم نفقة شهر فمضى الشهر، وقد بقي من العشرة شيء يفرض لها القاضي عشرة أخرى وفرق بين النفقة وبين الكسوة كما سنبينه في الكسوة ويدل عليه أيضا ما فيها أنهما لو اصطلحا بعد فرض النفقة على شيء لا يصلح تقديرا للنفقة كان معاوضة كالعبد فلولا أنها ملكت النفقة المفروضة لما كان معاوضة، وفي القنية قال لها خذي هذه الدنانير الخمسة لنفقتك ولم يعين الوقت فهو تمليك لا إباحة ا هـ. فيفيد أنها تملك النفقة بفرض القاضي أو بدفع شيء بالرضا لكن في الخلاصة والذخيرة إذا فرض القاضي النفقة فالزوج هو الذي يلي الإنفاق إلا إذا ظهر عند القاضي مطله فحينئذ يفرض النفقة ويأمره ليعطيها لتنفق على نفسها نظرا لها فإن لم يعط حبسه ولا تسقط عنه النفقة ا هـ. فهي وإن ملكتها بالفرض لم تتصرف فيها بالإنفاق وتفرع على هذا ما لو قرر لها كل يوم مثلا قدرا معينا من النفقة فأمرته بإنفاق البعض وأرادت أن تمسك الباقي فمقتضى التمليك أن لها ذلك كما تقدم التصريح به عن الخلاصة والذخيرة في نفقة الشهر ولا فرق بين نفقة شهر أو يوم، فليس فائدة أنه يلي الإنفاق مع فرض القاضي إلا لكونه قواما عليها لا لأنه يأخذ ما فضل وعلى هذا لو أمرته امرأته بشراء طعام واشترى لها فأكلت وفضل شيء واستغنت عنه في يومها، فليس له أكله والتصرف فيه إليها كما هو مقتضى التمليك ويدل عليه أيضا أنها لو أسرفت في نفقة الشهر فأكلتها قبل مضيه واحتاجت لا يفرض لها أخرى كما لو هلكت كما في الذخيرة، فالحاصل أن المفروضة أو المدفوعة إليها ملك لها فلها الإطعام منها والتصدق وفي الخانية المرأة إذا فرضت لها النفقة فأكلت من مال نفسها أو من مسألة الناس كان لها أن ترجع بالمفروض على زوجها ا هـ. وفي البدائع وإذا طلبت المرأة من القاضي فرض النفقة قبل النقلة وهي بحيث لا تمتنع من التسليم لو طالبها بالتسليم أو كان امتناعها لحق فرض القاضي لها إعانة لها على الوصول إلى حقها الواجب وإن كان بعدما حولها إلى منزله فزعمت عدم الإنفاق أو التضييق فلا ينبغي له أن يعجل بالفرض، ولكن يأمره بالنفقة والتوسيع إلى أن يظهر ظلمه فحينئذ يفرض عليه النفقة ويأمره أن يدفعها إليها لتنفق على نفسها، ولو طلبت كفيلا بها خوفا من غيبته لا يجبره القاضي على إعطاء الكفيل عند أبي حنيفة واستحسن أبو يوسف أخذ كفيل بنفقة شهر ويشترط لوجوب الفرض على القاضي وجوازه منه شرطان، أحدهما طلب المرأة، والثاني حضرة الزوج حتى لو كان الزوج غائبا فطلبت المرأة من القاضي فرض نفقة عليه لم يفرض وإن كان عالما بالزوجية عند أبي حنيفة في قوله الأخير؛ لأن الفرض من القاضي قضاء، وقد صح من أصلنا أن القضاء على الغائب لا يجوز من غير خصم. وقوله عليه السلام لامرأة أبي سفيان إنما كان على سبيل الفتوى لا على طريق القضاء بدليل أنه لم يقدر لها ما تأخذه وفرض النفقة من القاضي تقديرها فإذا لم تقدر لم تكن فرضا فلم تكن قضاء وسيأتي تمامه فيما إذا غاب وله مال عند مودعه، وفي الولوالجية الفتوى على قول أبي يوسف في أخذ الكفيل بنفقة شهر ولم يذكر المصنف تقديرا للنفقة لما في الذخيرة وغيرها من أنه ليس في النفقة عندنا تقدير لازم؛ لأن المقصود من النفقة الكفاية وذلك مما يختلف فيه طباع الناس وأحوالهم ويختلف باختلاف الأوقات أيضا ففي التقدير بمقدار إضرار بأحدهما والذي قال في الكتاب إن كان الزوج معسرا فرض القاضي لها النفقة أربعة دراهم فهذا ليس بتقدير لازم، بل إنما قدره محمد لما شاهد في زمانه فالذي يحق على القاضي في زماننا اعتبار الكفاية بالمعروف وأصله حديث هند حيث اعتبر الكفاية وفي البدائع، وإذا كان وجوبها على الكفاية فيجب على الزوج ما يكفيها من الطعام والإدام والدهن؛ لأن الخبز لا يؤكل عادة إلا مأدوما، وأما الدهن فلا بد منه للنساء وفي الذخيرة قالوا واللحم ليس من الإدام خصوصا على أصل أبي حنيفة في اليمين، فينظر إن كانت المرأة مفرطة اليسار تأكل الحلواء وما أشبه ذلك والزوج كذلك يفرض عليه مثل ذلك وإن كان من أوساط الناس فعلى ما يأتدمون به في عاداتهم يفرض على الزوج ا هـ. وفي الأقضية يفرض الإدام أيضا أعلاه اللحم وأدناه الزيت وأوسطه اللبن، وقيل في الفقيرة لا يفرض الإدام إلا إذا كان خبز شعير وفي فتح القدير والحق الرجوع في ذلك إلى عرفهم ا هـ. وفي المجتبى والنفقة هي الخبز واللحم ودهن الرأس ودهن السراج وثمن الماء، ولون من الفاكهة وعلى المعسر من الطعام خبز الشعير إذا كان ذلك طعام فقرائهم وعشرة أساتير من اللحم وخمسة أساتير من الشحم والألية ولا شيء لها من الفاكهة ا هـ. فصار الحاصل أنه ينبغي للقاضي إذا أراد فرض النفقة أن ينظر في سعر البلد وينظر ما يكفيها بحسب عرف تلك البلدة ويقوم الأصناف بالدراهم، ثم يقدر بالدرهم كما في المحيط إما باعتبار حاله أو باعتبار حالهما، واختار المصنف الثاني وهو قول الخصاف وفي الهداية وعليه الفتوى، وفي الولوالجية وهو الصحيح وعليه الفتوى وظاهر الرواية اعتبار حاله فقط وهو قول الكرخي وبه قال جمع كثير من المشايخ ونص عليه محمد، وقال في التحفة والبدائع إنه الصحيح نظرا إلى قوله تعالى: {لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما أتاها}، واستدل في الهداية لاعتبار حالهما بحديث هند فإنه اعتبر حالهما، وأما النص فنقول بموجبه أنه مخاطب بقدر وسعه والباقي دين في ذمته، وحاصله أنه عمل بالآية والحديث واتفقوا على وجوب نفقة الموسرين إذا كانا موسرين وعلى نفقة المعسرين إذا كانا معسرين، وإنما الاختلاف فيما إذا كان أحدهما موسرا والآخر معسرا فعلى ظاهر الرواية الاعتبار لحال الرجل فإن كان موسرا وهي معسرة تجب عليه نفقة الموسرين ولا يجب عليه أن يطعمها مما يأكل، لكن قال مشايخنا يستحب له أن يؤاكلها؛ لأنه مأمور بحسن العشرة معها وذا في أن يؤاكلها لتكون نفقتها ونفقته سواء وإن كان معسرا وهي موسرة وجب عليه نفقة المعسرين؛ لأنها لما تزوجت معسرا فقد رضيت بنفقة المعسرين، وأما على المفتى به فتجب نفقة الوسط في المسألتين وهي فوق نفقة المعسرة ودون نفقة الموسرة فإذا كان الزوج مفرطا في اليسار يأكل الحلواء واللحم المشوي والباجات، والمرأة فقيرة تأكل في بيتها خبز الشعير لا يجب عليه أن يطعمها مما يأكل في بيته بنفسه ولا ما كانت تأكل في بيت أهلها، ولكن يطعمها الوسط وهو خبز البر وباجة أو باجتين، كذا في الذخيرة. وفي غاية البيان أنه إذا كان معسرا وهي موسرة وأوجبنا الوسط فقد كلفناه بما ليس في وسعه فلا يجوز وهو غفلة عما في الهداية كما قدمناه من أنه مخاطب بقدر وسعه والباقي دين إلى الميسرة، فليس تكليفا بما ليس في وسعه وفي المجتبى إن شاء فرض لها أصنافا وإن شاء قومها وفرض لها بالقيمة ولم يذكر المصنف في أي وقت يدفع لها النفقة؛ لأنه يختلف باختلاف الناس قالوا يعتبر في الفرض الأصلح والأيسر ففي المحترف يوما بيوم أي عليه أن يدفع نفقة يوم بيوم؛ لأنه قد لا يقدر على تحصيل نفقة شهر مثلا دفعة، وهذا بناء على أن يعطيها معجلا ويعطيها كل يوم عند المساء عن اليوم الذي يلي ذلك المساء لتتمكن من الصرف في حاجتها في ذلك اليوم وإن كان تاجرا يفرض عليه نفقة شهر بشهر أو من الدهاقين فنفقة سنة بسنة أو من الصناع الذين لا ينقضي عملهم إلا بانقضاء الأسبوع كذلك، كذا في فتح القدير وغيره وينبغي أن يكون محله ما إذا رضي الزوج وإلا لو قال التاجر والدهقان أو الصناع أنا أدفع نفقة كل يوم معجلا لا يجبر على غيره؛ لأنه إنما اعتبر ما ذكر تخفيفا عليه فإذا كان يضره لا يفعل وظاهر كلامهم أن كل مدة ناسبت حال الزوج فإنه يعجل نفقتها كما صرحوا به اليوم وصرح به في التجنيس في نفقة الشهر أنها تفرض عليه وتدفع لها، ثم قال لو فرض لها نفقة كل شهر فطلبتها كل يوم كان لها أن تطلب عند المساء؛ لأن حصة كل يوم معلوم فيمكنهم المطالبة ولا كذلك ما دون اليوم ا هـ. فإن قلت إذا شرط عليها وقت العقد أن النفقة تموين من غير تقدير والكسوة كسوة الشتاء والصيف فهل لها بعد ذلك طلب التقدير فيهما؟ قلت لم أره صريحا والقواعد تقتضي أن لها ذلك؛ لأن هذا الشرط ليس بلازم إذ هو شرط فيما لم يكن واجبا بعد ولهذا قالوا الإبراء عن النفقة لا يصح إلا إذا وجبت بالقضاء أو الرضا ومضت مدة فحينئذ يصح الإبراء، كذا في البدائع وفي البزازية أنت بريء من نفقتي ما دمت امرأتك فإن لم يفرض القاضي النفقة فالإبراء باطل وإن فرض لها القاضي النفقة كل شهر عشرة دراهم صح الإبراء من نفقة الشهر الأول دون ما سواها ا هـ. وهذا يدل على أن التقدير في مثل هذا يقع على الشهر الأول دون ما عداه فإن قلت إذا حكم مالكي في أصل العقد وفي شروطه وكتب وحكم بموجبه كما يفعل الآن، ثم بعد ذلك شكت المرأة وطلبت التقرير عند قاض حنفي فهل له تقريرها قلت لم أره صريحا أيضا وما نقلوه في كتاب القضاء كما في فصول العمادي والبزازية من أن الحكم لا يرفع الخلاف إلا إذا كان بعد دعوى صحيحة في حادثة من خصم على خصم وما نقل الكل من أن شرط صحة الحكم تقدم الدعوى والحادثة يقتضي أن للحنفي ذلك، وقد كثر وقوعها في زماننا خصوصا أن النفقة تتجدد في كل يوم وما يتجدد لم يقع فيه حكم، وفي القنية قول القاضي استديني عليه كل شهر كذا فرض منه كحبس المدعى عليه قضاء به. وأشار المصنف بوجوب النفقة عليه إلى أنه إذا لم يعط الزوج لها نفقة ولا كسوة فلها أن تنفق من طعامه وتتخذ ثوبا من كرباسه بغير إذنه كما في الذخيرة والقنية ومن النفقة التي على الزوج الحطب والصابون والأشنان والدهن للاستصباح وغيره وثمن ماء الاغتسال؛ لأنه مؤنة الجماع وفي كتاب رزين جعله عليها وفصل في ماء الطهر من الحيض بين أن يكون حيضها عشرة أيام فعليها أو أقل فعليه، وأجرة القابلة على من استأجرها من الزوجة والزوج فإن جاءت بغير استئجار فلقائل أن يقول عليه؛ لأنه مؤنة الجماع ولقائل أن يقول عليها كأجرة الطبيب، وأما ثمن ماء الوضوء فعليها فإن كانت غنية تستأجر من ينقله ولا تنقله بنفسها وإن كانت فقيرة فإما أن ينقله الزوج لها أو يدعها تنقله بنفسها، كذا في الخلاصة وبه علم أن أجرة الحمام عليه؛ لأنه ثمن ماء الاغتسال لكن له منعها من الحمام حيث لم تكن نفساء كما سيأتي بيانه وسوى في الظهيرية بين ثمن ماء الاغتسال وماء الوضوء في الوجوب عليه وهو الظاهر وفي الواقعات ماء وضوئها عليه غنية كانت أو فقيرة؛ لأنها لا بد لها منه فصار كالشرب ا هـ. فظهر ضعف ما في الخلاصة وفي الذخيرة لو طلبت المرأة من القاضي فرض النفقة وكان للزوج عليها دين فقال احسبوا لها نفقتها منه كان له ذلك؛ لأن الدينين من جنس واحد فتقع المقاصة كما في سائر الديون إلا أن في سائر الديون تقع المقاصة تقاصا أو لم يتقاصا وهنا يحتاج إلى رضا الزوج لوقوع المقاصة؛ لأن دين النفقة أنقص من سائر الديون لسقوطه بالموت بخلاف سائر الديون فكان دين الزوج أقوى فيشترط رضاه بالمقاصة كما لو كان أحد الدينين جيدا والآخر رديئا ا هـ. وفي نفقات الخصاف لو كفل رجل لها بالنفقة كل شهر عشرة دراهم لزم شهر واحد عند أبي حنيفة، وعند أبي يوسف يقع على الأبد وهو أرفق بالناس وعليه الفتوى وأجمعوا أنه لو قال: كفلت لك بنفقتك كل شهر كذا أبدا أو ما دمتما زوجين فإنه يقع على الأبد ما داما زوجين، وأما الكسوة فقال في الظهيرية قدر محمد الكسوة بدرعين وخمارين وملحفة في كل سنة واختلفوا في تفسير الملحفة قال بعضهم الملاءة التي تلبسها المرأة عند الخروج، وقال بعضهم هي غطاء الليل تلبسه في الليل وذكر درعين وخمارين أراد بهما صيفيا وشتويا ولم يذكر السراويل في الصيف ولا بد منه في الشتاء، وهذا في عرفهم أما في عرفنا فتجب السراويل وثياب أخر كالجبة والفراش التي تنام عليه واللحاف وما تدفع به أذى الحر والبرد في الشتاء درع خز وجبة قز وخمار إبريسم ولم يذكر الخف والمكعب في النفقة؛ لأن ذلك إنما يحتاج إليه للخروج وليس للزوج تهيئة أسباب الخروج ا هـ. وفي المجتبى أن ذلك يختلف باختلاف الأماكن والعادات فيجب على القاضي اعتبار الكفاية بالمعروف في كل وقت ومكان فإن شاء القاضي فرضها أصنافا وإن شاء قومها وقضى بالقيمة، وفي الخلاصة وتفرض الكسوة كل ستة أشهر إلا إذا تزوج وبنى بها ولم يبعث إليها الكسوة لها أن تطالبه بالكسوة قبل مضي ستة أشهر والكسوة كالنفقة في أنه لا يشترط مضي المدة وللزوج أن يرفعها إلى القاضي حتى يأمرها بلبس الثوب؛ لأن الزينة حقه ا هـ. وهو يدل على أن المرأة لو أمسكت النفقة وأكلت قليلا وقترت على نفسها فله أن يرفعها إلى القاضي لتأكل بما فرض لها خوفا عليها من الهزال فإنه يضره وفي غاية البيان معزيا إلى الخصاف ويجعل لها أن تنام عليه مثل الفراش ومضربة ومرقعة في الشتاء ولحافا تتغطى به قال شمس الأئمة في شرح النفقات ذكر لها فراشا على حدة ولم يكتف بفراش واحد؛ لأنها ربما تعتزل عنه في أيام الحيض أو في زمان مرضها ا هـ. وفي فتح القدير ذكر في الأصل الدرع من الكسوة والخصاف ذكر القميص وهما سواء إلا أن القميص يكون مجيبا من قبل الكتف والدرع من قبل الصدر، وفي البدائع الكسوة على الاختلاف كالنفقة من اعتبار حاله فقط أو حالهما على قول الخصاف وفي الذخيرة إذا فرض لها القاضي الكسوة فهلكت أو سرقت منها أو خرقتها قبل الوقت، فليس عليه أن يكسوها حتى يمضي الوقت الذي لا تبقى إليه الكسوة والأصل أن القاضي متى ظهر له الخطأ في التقدير يرده فإذا لم يظهر له ذلك لا يرده فإن تخرقت الكسوة بالاستعمال قبل مضي الوقت ينظر فإن تخرقت بخرق استعمالها لم يتبين الخطأ في التقدير فلا يقضي بكسوة أخرى ما لم يمضي ذلك الوقت وإن تخرقت بالاستعمال المعتاد تبين الخطأ في التقدير فيقضي بكسوة أخرى، وكذا الجواب في النفقة إذا ضاعت أو سرقت أو أكلت أو أسرفت أو لم تسرف وكان ذلك قبل مضي الوقت فهو كما قلنا في الكسوة. ولو مضت المدة والكسوة باقية فإن لم تستعمل تلك الكسوة أصلا حتى مضى الوقت يفرض القاضي لها كسوة أخرى؛ لأنه لم يظهر خطأ القاضي في التقدير وإن استعملت تلك الكسوة فإن استعملت معها كسوة أخرى في تلك المدة يفرض لها القاضي كسوة أخرى في تلك المدة وإن لم تستعمل مع هذه الكسوة كسوة أخرى لا يفرض لها أخرى؛ لأنه ظهر خطؤه في التقدير حيث وقت وقتا تبقى الكسوة وراء ذلك الوقت فرق بين هذا وبين ما إذا فرض لها القاضي عشرة دراهم نفقة شهر فمضى الشهر، وقد بقي من العشرة شيء حيث يفرض لها القاضي في النفقة عشرة أخرى، والفرق أن في باب النفقة لم يظهر خطأ القاضي في التقدير بيقين لجواز أنه إنما بقي من العشرة شيء لتقتير وجد منها في الإنفاق على نفسها فبقي التقدير معتبرا فيقضي القاضي لها بعشرة أخرى أما في باب الكسوة إذا لبست جميع المدة ولم تتخرق فقد ظهر خطأ القاضي في التقدير بيقين؛ لأنا تيقنا أنه لم يوجد منها التقتير في اللبس فرق بين نفقة الزوجات وكسوتهن وبين نفقة المحارم وكسوتهم فإن في الأقارب إذا مضى الوقت وبقي شيء من الدراهم أو الكسوة فإن القاضي لا يقضي بأخرى في الأحوال كلها؛ لأنها باعتبار الحاجة في حقهم وفي حق المرأة معاوضة عن الاحتباس ولهذا إذا ضاعت النفقة أو الكسوة من أيديهم يفرض لهم أخرى لما ذكرنا ا هـ. وقد استفيد من هذه المنقولات أشياء منها أن جميع ما تحتاج إليه المرأة من لباس بدنها وفرش بيتها مما تنام عليه وتتغطى به فإنه لازم على الرجل إما أن يأتي به وإما أن يفرضه القاضي عليه أصنافا أو دراهم كل ستة أشهر ويعجلها لها وينبغي أن يلي الزوج شراء الأمتعة لها كما قدمناه في الإنفاق إلا إذا ظهر مطله أو خيانته في الشراء لها فحينئذ هي التي تلي ذلك بنفسها أو بوكيلها ومنها أنها لو كان لها أمتعة من فرش ونحوها لا يسقط عن الزوج ذلك، بل يجب عليه ما ذكرناه وإن كان لها أمتعة فلا يلزمها أن تلبس متاعها ولا أن تنام على فراشها فبالأولى أن لا يلزمها أن تفرش متاعها لينام عليه أو يجلس عليه ومنها أنه إذا دفع لها نفقتها وأنفقت منها قليلا وأمسكت الباقي فإن لها ذلك كما قدمناه ومنها أن أدوات البيت كالأواني ونحوها على الرجل. والحاصل أن المرأة ليس عليها إلا تسليم نفسها في بيته وعليه جميع ما يكفيها بحسب حالهما من أكل وشرب ولبس وفرش ولا يلزمها أن تستمتع بما هو ملكها ولا أن تفرش له شيئا من فراشها وإنما أكثرنا من هذه المسائل تنبيها للأزواج لما نراه في زماننا من تقصيرهم في حقوقهن حتى أنه يأمرها بفرش أمتعتها جبرا عليها، وكذلك لأضيافه وبعضهم لا يعطي لها كسوة حتى كانت عند الدخول غنية صارت فقيرة، وهذا كله حرام لا يجوز، نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا وأراد بالزوجة في قوله تجب للزوجة الزوجة في نفس الأمر بنكاح صحيح؛ لأنه لا نفقة للزوجة بنكاح فاسد لا قبل التفريق ولا بعده ولا نفقة للزوجة ظاهرا إلا في نفس الأمر، ولهذا قال في الظهيرية: لو أن امرأة أخذت نفقتها من زوجها أشهرا، ثم شهد شاهدان أنها أخته من الرضاع يفرق بينهما ويرجع عليها الزوج بما أخذت وذكر قبله أختان ادعت كل واحدة منهما أن هذا زوجها وهو يجحد فأقامتا البينة على النكاح والدخول فلهما نفقة امرأة واحدة في مدة المسألة عن الشهود نص عليه الخصاف. (قوله: ولو مانعة نفسها للمهر) أي يجب عليه النفقة، ولو كانت المرأة مانعة نفسها بحق كالمنع لقبض مهرها والمراد منه المعجل إما نصا أو عرفا كما أسلفناه؛ لأنه منع بحق فكان فوت الاحتباس لمعنى من قبله فيجعل كلا فائت أطلقه فشمل المنع بعد الدخول وهو قول الإمام، وقالا لا نفقة لها إلا إذا كانت دون البلوغ لعدم صحة تسليم الأب، وقد قدمناه قيدنا المهر بالمعجل؛ لأنه لو كان كله مؤجلا فامتنعت فلا نفقة لها؛ لأنه نشوز كما في غاية البيان وقدمنا أن الفتوى على قول أبي يوسف من أن لها المنع فعلى هذا لا تسقط نفقتها؛ لأنه بحق وأشار المصنف إلى أن شرط وجوب النفقة تسليم المرأة نفسها إلى الزوج وقت وجوب التسليم ونعني بالتسليم التخلية وهي أن تخلي بين نفسها وبين زوجها برفع المانع من وطئها أو الاستمتاع بها إذا كان المانع من قبلها أو من قبل غير الزوج فلو تزوج بالغة حرة صحيحة سليمة ونقلها إلى بيته فلها النفقة كذلك إذا لم ينقلها وهي بحيث لا تمنع نفسها وطلبت هي النفقة ولم يطالبها هو بالنقلة فلها النفقة فإن طالبها بالنقلة وامتنعت فإن كان امتناعها بحق بأن امتنعت لاستيفاء مهرها المعجل فلها النفقة، وكذا لو طالبها بالنقلة بعدما أوفاها المهر إلى دار مغصوبة فامتنعت فلها النفقة؛ لأنه بحق، ولو كانت ساكنة في منزلها فمنعته من الدخول عليها لا على سبيل النشوز، بل قالت له حولني إلى منزلك أو اكتر لي منزلا أنزله فإني محتاجة إلى منزلي هذا آخذ كراه فلها النفقة. كذا في البدائع وفي الذخيرة، وقال بعض المتأخرين من أئمة بلخ لا تستحق النفقة إذا لم تزف إلى بيت الزوج والفتوى على جواب الكتاب وهو وجوب النفقة إذا لم يطالبها بالنقلة. (قوله: لا ناشزة) بالجر عطف على الزوجة أي لا تجب النفقة للناشزة وهي في اللغة العصابة على الزوج المبغضة له، يقال نشزت المرأة على زوجها فهي ناشزة، وعن الزجاج النشوز يكون بين الزوجين وهي كراهة كل واحد منهما صاحبه، كذا في المغرب وفي الشرع كما قال الإمام الخصاف الخارجة عن منزل زوجها المانعة نفسها منه والمراد بالخروج كونها في غير منزله بغير إذنه ليشمل ما إذا امتنعت عن المجيء إلى منزله ابتداء بغير إيفاء معجل مهرها وما إذا خرجت من منزله بعد الانتقال إليه وأطلق الخروج فشمل الحقيقي والحكمي وهو عدم تمكينها له من الدخول في منزلها الذي يسكنان فيه قبل أن تسأله النقلة؛ لأنها كالخارجة، وعلله في الذخيرة بأنها صارت كأنها نشزت إلى موضع آخر فدل أنه خروج من منزله حكما بخلاف ما إذا منعته بعد ما سألته النقلة كما قدمناه وخرج ما إذا خرجت من بيت الغصب أو امتنعت من الانتقال إليه فإنها تكون ناشزة كما قدمناه؛ لأنه ليس منزلا له أصلا بخلاف البيت الذي فيه شبهة كبيت السلطان ليس لها أن تمتنع وتصير ناشزة كما في الخانية لعدم اعتبار الشبهة في زماننا كما في التجنيس. وقيد بالخروج؛ لأنها لو كانت مقيمة معه في منزله ولم تمكنه من الوطء فإنها لا تكون ناشزة؛ لأن الظاهر أن الزوج يقدر على تحصيل المقصود منها بدليل أن البكر لا توطأ إلا كرها، وقد علم مما قدمناه أن المراد بمنعها نفسها منه بغير حق فلذا قال في الخلاصة لو كان الزوج بسمرقند وكانت زوجته بنسف فبعث إليها أجنبيا ليحملها إلى سمرقند ولم تذهب معه لعدم المحرم فإن لها النفقة وشمل الخروج الحكمي ما إذا طلب أن يسافر بها من بلدها وامتنعت فإنه لا نفقة لها على ظاهر الرواية من أن له السفر بها، وأما على المفتى به فإنها لا تكون ناشزة كما قدمناه وأشار إليه في الذخيرة هنا وأطلق في عدم وجوب النفقة للناشزة فشمل ما إذا كانت النفقة مفروضة فإن النشوز يسقطها أيضا إلا إذا استدانت فإن المستدانة لا يسقطها النشوز على أصح الروايتين كالموت لا يسقطها أيضا كما في الذخيرة وهو مما ينبغي حفظه ولم يذكر ما إذا تركت النشوز وهو بعودها إلى منزله لظهور أن النفقة تعود؛ لأنه من باب زوال المانع وفي الخلاصة الناشزة إذا عادت إلى بيت الزوج بعدما سافر زوجها أجابوا أنها خرجت على أن تكون ناشزة ا هـ. وشمل تعريف الناشزة المنكرة للنكاح فإذا ادعى عليها النكاح فجحدت، ثم أقام البينة فلا نفقة لها زاد في فتح القدير، وكذا إذا كان الزوج هو المنكر، ثم قال ولقائل أن يقول وينبغي أن يجب؛ لأنها صارت مكذبة شرعا، وكذا الزوج وإلا فلا يخفى ما فيه من الإضرار وفتح باب الفساد خصوصا عند اضطرارها للنفقة مع حبسها ا هـ. ولا يخفى أنهم إنما نفوا وجوب النفقة ما دامت جاحدة أما إذا عادت إلى التصديق وطلبت النفقة فإن لها النفقة، وأما إذا كان الزوج هو المنكر فإنما نفوا وجوب النفقة عنه في مدة المسألة عن الشهود لا مطلقا كما سنبينه بعد ذلك عن الظهيرية وخرج عنه ما إذا أجرت نفسها لإرضاع صبي وزوجها شريف ولم تخرج من منزله، وذكر في الفوائد التاجية نقلين فيها الثاني منهما كما ذكرنا والأول هو نشوز وإن لم تخرج ولا يخفى ضعفه، وفي الخلاصة إن قال الزوج هي ناشزة فلا نفقة لها علي فإن شهدوا أنه أوفاها المعجل وهي لم تكن في بيت الزوج سقطت النفقة، ولو شهدوا أنها ليست في طاعة الزوج للجماع لا تقبل؛ لأنه يحتمل أنها تكون في بيته ولا تكون في طاعته وبه لا تسقط النفقة؛ لأن الزوج يغلب عليها ا هـ. وبه علم أن الزوج إذا ادعى نشوزها في مدة وأنكرت فالقول قولها مع يمينها فإن حلفت أخذت النفقة وإن نكلت سقطت والبينة عليه وسيأتي أن لها الخروج من منزله بغير إذنه في مواضع حينئذ لا تكون ناشزة فعلى هذا المراد بالخروج خروجها بغير حق لا بغير إذنه فقط لكن ذكر في المجتبى، وإذا سلمت نفسها بالنهار دون الليل أو على عكسه لا تستحق النفقة؛ لأن التسليم ناقص قلت وبهذا عرف جواب واقعة في زماننا بأنه إذا تزوج من المحترفات التي تكون عامة النهار في الكرخانة والليل مع الزوج لا نفقة لها ا هـ. مع أنه سيأتي أن القابلة لها الخروج. (قوله: وصغيرة لا توطأ) أي لا نفقة للصغيرة إذا كانت لا تطيق الجماع؛ لأن امتناع الاستمتاع لمعنى فيها والاحتباس الموجب هو الذي يكون وسيلة إلى المقصود المستحق بالنكاح ولم يوجد بخلاف المريضة كما سيأتي، وقال الشافعي لها النفقة؛ لأنها عوض عن الملك عنده كما في المملوكة بملك اليمين ولنا أن المهر عوض عن الملك ولا يجتمع العوضان عن معوض واحد فلها المهر دون النفقة أطلق في عدم وجوبها لها فشمل ما إذا كانت في بيت الزوج أو في بيت أبيها وقيد بالنفقة؛ لأن للأب مطالبة الزوج بمهر الصغيرة التي لا توطأ وإن كانت صغيرة جدا ويجبر الزوج على دفع المهر إليه؛ لأنه يجب كله بنفس العقد وحق القبض للأب، كذا في الخانية وقيد بالصغيرة؛ لأنها تجب كالمهر للكبيرة وإن كان الزوج صغيرا جدا في ماله؛ لأن العجز من قبله كالمجبوب والعنين فإن لم يكن له مال لا تجب على الأب نفقة امرأة ولده ويستدين الأب عليه، ثم يرجع بذلك على الابن إذا أيسر، كذا في الخانية وفي الخلاصة لا يجب على أبيه إلا إذا ضمنها كما في المهر ا هـ. فلو أنفق عليها أبوه، ثم ولدت واعترفت أنها حبلت من الزنا فإنها لا ترد شيئا من النفقة؛ لأن الحبل من الزنا وإن منع من الوطء لا يمنع من دواعيه ومن وطئ فيما دون الفرج، وهذا كاف لوجوب النفقة بخلاف ما إذا أقرت أنها حين تزوجت كانت حبلى فإنها ترد نفقة ستة أشهر؛ لأنه لا نفقة في النكاح الفاسد حملا لأمرها على أن الحبل من زوج آخر سابق فتصدق في حق نفسها إلا في حق الزوج، كذا في الذخيرة. والحاصل أن الصغيرة التي لا توطأ لا يجب لها نفقة صغيرا كان الزوج أو كبيرا والمطيقة للوطء تجب نفقتها صغيرا كان الزوج أو كبيرا واختلف في حد المطيقة له والصحيح أنه غير مقدر بالسن وإنما العبرة للاحتمال والقدرة على الجماع، فإن السمينة الضخمة تحتمل الجماع وإن كانت صغيرة السن، كذا في التبيين وذكر العتابي أنها بنت تسع واختاره مشايخنا ا هـ. وأطلق في التي لا تطيق الجماع فشمل ما إذا كانت تصلح للخدمة أو الاستئناس فإنه لا نفقة لها خلافا لأبي يوسف فيما إذا أسكنها في بيته فإن لها النفقة واختار صاحب الإيضاح والتحفة كما في غاية البيان وله أن يردها على قول أبي يوسف وقيد بالصغيرة؛ لأن النفقة واجبة للقرناء والرتقاء والتي أصابها مرض يمنع الجماع والكبيرة التي لا يمكن وطؤها لكبرها سواء أصابتها هذه العوارض بعدما انتقلت إلى بيت الزوج أو قبل ذلك مع أنه لا احتباس للوطء فيهن كالصغيرة التي لا توطأ فأجبت بأن المعتبر في إيجاب النفقة احتباس ينتفع به الزوج انتفاعا مقصودا بالنكاح وهو الجماع أو الدواعي والانتفاع من حيث الدواعي موجود في هؤلاء بأن يجامع فيما دون الفرج بخلاف الصغيرة فإنها لا تكون مشتهاة أصلا قالوا فعلى هذا التعليل إذا كانت الصغيرة مشتهاة يمكن جماعها فيما دون الفرج تجب النفقة كذا في الذخيرة والظاهر أن من كانت بحيث تشتهى للجماع فيما دون الفرج فهي مطيقة للجماع في الجملة إلى آخر ما في فتح القدير وفي الخلاصة معزيا إلى الأقضية أبو الصغيرة التي لا نفقة لها إذا طلب من القاضي فرض النفقة لها على الزوج وظن الزوج أن ذلك عليه ففرض لها النفقة لا يجب شيء والفرض باطل ا هـ. ونظيره ما قدمناه عن الظهيرية لو فرض لها القاضي النفقة فأخذتها أشهرا، ثم شهد الشهود أنها أخته من الرضاع وفرق القاضي بينهما رجع الزوج عليها بما أخذته من النفقة. (قوله: ومحبوسة بدين ومغصوبة وحاجة مع غير الزوج ومريضة لم تزف) أي لا تجب النفقة لهؤلاء؛ لأن فوات الاحتباس ليس منه أما في المحبوسة بدين فلأن فوات الاحتباس منها بالمماطلة وإن لم يكن منها بأن كانت عاجزة، فليس منه؛ ولذا أطلقه المصنف ليشمل ما إذا كانت قادرة على أدائه أو لا وما إذا حبست قبل النقلة أو بعدها وهو المذكور في الجامع الكبير واستشهد له محمد رحمه الله بغصب العين المستأجرة من يد المستأجر حيث تسقط الأجرة لفوات الانتفاع لا من جهته وعليه الاعتماد، كذا في التبيين وفي فتح القدير وعليه الفتوى، وفي غاية البيان أن محمدا وضع المسألة في النفقة المفروضة؛ لأنه بدونه لا تتصور المسألة لسقوطها، ولو حذف المصنف قوله بدين لكان أولى؛ لأن المحبوسة ظلما بغير حق لا نفقة لها؛ لأن المعتبر في سقوط نفقتها فوات الاحتباس لا من جهة الزوج، وقد فات الاحتباس هنا لا من جهته، وهذا هو الصحيح؛ لأنه إذا كان الفوات من جهته أمكن القول ببقائه تقديرا، وأما إذا كان لا من جهته فلم يكن الاحتباس باقيا تقديرا وبدونه لا يمكن إيجاب النفقة، كذا في الذخيرة وقيد بحبسها؛ لأن الزوج لو حبس وهو يقدر على الأداء أو لا يقدر أو حبس ظلما أو هرب أو نشز كانت لها النفقة؛ لأن الاحتباس هنا فات لمعنى من جهة الزوج، كذا في الذخيرة ولا فرق بين أن تحبسه هي لدين لها عليه أو يحبسه أجنبي. وفي الخلاصة أنها إذا حبسته وطلب أن تحبس معه فإنها لا تحبس، وذكر في مآل الفتاوى أنه إذا خيف عليها الفساد تحبس معه عند المتأخرين، وأما إذا غصبها رجل كرها وذهب بها فما في المختصر هو ظاهر الرواية، وعن أبي يوسف أن لها النفقة والفتوى على الأول؛ لأن فوت الاحتباس ليس منه ليجعل باقيا تقديرا، كذا في الهداية. وأما إذا حجت مع غير الزوج فلأن فوات الاحتباس منها، وعن أبي يوسف أن لها النفقة؛ لأن إقامة الفرض عذر فيكون لها نفقة الحضر وفي رواية عنه يؤمر الزوج بالخروج معها والإنفاق عليها إذا أرادت حجة الإسلام، كذا في الذخيرة أطلق الحج فشمل الفرض والنفل وما إذا حجت قبل أن تسلم نفسها أو بعده، وهذا هو ظاهر الرواية؛ لأن الامتناع من جهتها فأوجب سقوطها، سواء كانت عاصية في الخروج أو طائعة بخلاف الصلاة والصوم لوجود الاحتباس فلا يمنع اشتغالها بهما من وجوب النفقة كذا في الذخيرة وقيد بكون الحج مع غير الزوج الشامل لحجها وحدها أو مع محرم للاحتراز عما إذا حج معها فإن لها النفقة اتفاقا وهي نفقة الحضر لا السفر فينظر إلى قيمة الطعام في الحضر ولا ينظر إلى قيمته في السفر ولا يلزمه الكراء ومؤنة السفر، وأما المريضة التي لم تزف فالمراد بها المريضة التي لم تنتقل إلى بيت الزوج، وقد اختلفت عبارات الكتب في هذه المسألة فظاهر المختصر أنها إذا مرضت قبل الدخول وهي في غير بيت الزوج فإنه لا نفقة لها ومفهومه أنها إن كانت في بيته فلها النفقة وعلى هذا فالفرق بينها وبين الصحيحة إنما هو من جهة أن الصحيحة إذا لم تمنع نفسها من الانتقال مع الزوج فلها النفقة طلبها الزوج أو لا بخلاف المريضة فإنه لا نفقة لها وهي في بيتها مطلقا وفي البدائع ما يخالفه فإنه قال: لو كانت المرأة مريضة قبل النقلة مرضا يمنع من الجماع فنقلت وهي مريضة فلها النفقة بعد النقلة وقبلها أيضا إذا طلبت النفقة فلم ينقلها الزوج وهي لا تمتنع من النقلة لو طالبها الزوج وإن كانت تمتنع فلا نفقة لها كالصحيحة كذا ذكره في ظاهر الرواية وروي عن أبي يوسف أنه لا نفقة لها قبل النقلة فإذا نقلت وهي مريضة فله أن يردها، وجه ظاهر الرواية أن التسليم في حق التمكين من الوطء إن لم يوجد فقد وجد في حق التمكين من الاستمتاع، وهذا يكفي لوجوب النفقة كما في الحائض والنفساء والصائمة صوم رمضان، وإذا امتنعت لم يوجد التسليم شرعا ا هـ. فحاصله أن ظاهر الرواية أن المريضة كالصحيحة فلا ينبغي إدخالها في النساء اللاتي لا نفقة لهن وفي التجنيس المرأة قبل الدخول بها إذا مرضت وطلبت النفقة يفرض لها النفقة إن لم يكن يحول بينه وبين أن يضمها إليه؛ لأنها ما امتنعت من تسليم النفس وإن امتنعت من ذاك فلا نفقة عليه ا هـ. وظاهره أنه إذا كان مرضها مانعا من النقلة فلا نفقة لها وإن لم تمنع نفسها وعليه يحمل ما في المختصر وحاصله أن المنقول في ظاهر الرواية وجوب النفقة للمريضة، سواء كان قبل النقلة أو بعدها وسواء كان يمكنه جماعها أو لا كان معها زوجها أو لا حيث لم تمنع نفسها كما صرح به في البدائع والخلاصة والذخيرة وغاية البيان معزيا إلى كافي الحاكم والمبسوط والشامل وشرح الطحاوي فكان هو المذهب وصححه في فتح القدير، وقال إن الفتوى عليه وذكر أن القائلين بعدمه فرعوه على اشتراط التسليم حقيقة وهو مروي عن أبي يوسف وليس هو المختار والذي ظهر لي أن ما ذكره المشايخ إنما هو ظاهر الرواية إلا أنه مفرع على رواية أبي يوسف فإن النفقة وإن كانت واجبة للمريضة في ظاهر الرواية قبل الانتقال حيث لم تمنع نفسها لكن بشرط أن يمكنها الانتقال فلو كانت بحيث لا يمكنها الانتقال أصلا فلا نفقة لها لعدم التسليم تقديرا بدليل قولهم في توجيه ظاهر الرواية إن التسليم حاصل في حق التمكين من الاستمتاع وإن لم يمكن انتقالها فات التسليم بالكلية فهذا هو مراد الفارقين بين المريضة والصحيحة فالمريضة التي لم تزف لا نفقة لها إن كانت بحيث لا تقدر على الانتقال معه سواء منعت نفسها بالقول أو لا وقيد بكونها لم تزف؛ لأنها لو مرضت في بيت الزوج مرضا لا تستطيع معه الجماع لم تبطل نفقتها بلا خلاف؛ لأن التسليم المطلق هو التسليم الممكن من الوطء والاستمتاع، وقد حصل بالانتقال؛ لأنها كانت صحيحة، كذا في البدائع وبه يظهر أن ما في الخانية من التفصيل لا أصل له وعبارتها إذا زفت المرأة إلى زوجها وهي صحيحة فمرضت في بيت الزوج مرضا لا تحتمل الجماع إن كان بنى بها كان لها النفقة؛ لأن المرأة لا تسلم عن المرض في عمرها وإن كان لم يدخل بها فمرضت مرضا لا تحتمل الجماع لا نفقة لها وإن أغمي عليها إغماء كثير فهو بمنزلة المرض ا هـ. وفيها أيضا لو مرضت في بيت الزوج بعد الدخول فانتقلت إلى دار أبيها قالوا إن كانت بحال يمكن النقل إلى منزل الزوج بمحفة أو نحوها فلم تنتقل فلا نفقة لها وإن كان لا يمكن نقلها فلها النفقة ا هـ. وقيد بالنفقة؛ لأن المداواة لا تجب عليه أصلا، كذا في التبيين من باب صدقة الفطر، وقد ذكر المصنف ستا من النساء لا نفقة لهن وفي خزانة الفقه لأبي الليث عشر من النساء لا نفقة لهن ولم يذكر المريضة وذكر خمسة والأمة إذا لم يبوئها مولاها والمنكوحة نكاحا فاسدا والمرتدة والمتوفى عنها زوجها والمرأة إذا قبلت ابن زوجها بشهوة وسيأتي حكم نفقة الأمة والمتوفى عنها زوجها والمقبلة والمرتدة فلم يفت المصنف إلا المنكوحة نكاحا فاسدا ولا حاجة إلى بيانه. (قوله: ولخادم لو موسرا) أي تجب النفقة والكسوة لخادم المرأة؛ لأن كفايتها واجبة عليه، وهذا من تمامه إذ لا بد منه فيلزمه للخادم أدنى الكفاية لا تبلغ نفقة المرأة، وكذا كسوته بأرخص ما يكون ويفرض للخادم خف؛ لأنها تحتاج إلى الخروج بخلاف المرأة، كذا في الخانية وفسر في الهداية نفقة الخادم بما يلزم المعسر من نفقة امرأته وشرط في البدائع وشرح الطحاوي في وجوب نفقة خادمها أن لا يكون له شغل غير خدمتها بأن يكون متفرغا لها وأطلق المصنف في الخادم ولم يضفه إليها للاختلاف في تفسيره فقيل هو كل من يخدمها حرا كان أو عبدا ملكا لها أو له أو لهما أو لغيرهما و ظاهر الرواية عن أصحابنا الثلاثة كما في الذخيرة أنه مملوكها فلو لم يكن لها خادم لا يفرض عليه نفقة خادم؛ لأنها بسبب ملكها له فإذا لم يكن في ملكها لا يلزمه نفقته كالقاضي إذا لم يكن له خادم لا يستحق نفقة الخادم في بيت المال وظاهر كلامهم أن خادمها هو المملوك لها سواء كان عبدا أو جارية ولهذا ذكر في غاية البيان أن الخادم واحد الخدام غلاما كان أو جارية وبه تبين أن تفسير الزيلعي خادمها بالجارية المملوكة لها في ظاهر الرواية فيه نظر وينبغي أن يدخل المدبر والمدبرة تحته وبهذا علم أنه إذا لم يكن لها خادم مملوك لا يلزم الزوج كراء غلام يخدمها لكن يلزمه أن يشتري لها ما تحتاج إليه من السوق كما صرح به في الفتاوى السراجية وقيد بالخادم؛ لأنه لا يلزمه نفقة أكثر من خادم واحد لها وهذا عندهما، وقال أبو يوسف يفرض لخادمين؛ لأنها تحتاج إلى أحدهما لمصالح الداخل وإلى الآخر لمصالح الخارج ولهما أن الواحد يقوم بالأمرين فلا ضرورة إلى اثنين قال الطحاوي وروى صاحب الإملاء عن أبي يوسف أن المرأة إذا كانت ممن يجل مقدارها عن خدمة خادم واحد أنفق على من لا بد لها منه من الخدام ممن هو أكثر من الخادم الواحد أو الاثنين أو أكثر من ذلك قال وبه نأخذ في غاية البيان وفي الظهيرية والولوالجية المرأة إذا كانت من بنات الأشراف ولها خدم يجبر الزوج على أجرة خادمين ا هـ. فالحاصل أن المذهب الاقتصار على واحد مطلقا والمأخوذ به عند المشايخ قول أبي يوسف وفي فتح القدير والذخيرة لو كان له أولاد لا يكفيهم خادم واحد فرض عليه لخادمين أو أكثر مقدار ما يكفيهم اتفاقا وفي التجنيس امرأة لها مماليك قالت لزوجها أنفق عليه من مهري فأنفق فقالت لا أجعلها من المهر؛ لأنك استخدمتهم فما أنفق بالمعروف فهو محسوب عليها؛ لأنه بأمرها ا هـ. وأطلق في وجوب نفقة الخادم فشمل ما إذا أراد الزوج أن يخدمها أو يخدمها خادمه ولا ينفق على خادمها قال في الخانية وإن قال الزوج أنا أخدمك أو تخدمك جارية من جواري، الصحيح أن الزوج لا يملك إخراج خادم المرأة من بيته وعلله الولوالجي بأن المرأة عسى لا تتهيأ لها الخدمة بخدم الزوج وظاهره أنه يملك إخراج ما عدا خادم واحد من بيته؛ لأنه زائد على قولهما وأطلق في المرأة فشمل الأمة والحرة الشريفة والوضيعة لكن في الخلاصة معزيا إلى الفتاوى الصغرى المنكوحة إذا كانت أمة لا تستحق نفقة الخادم ونفقة الخادم لبنات الأشراف ا هـ. ولا يتصور أن يكون للأمة خادم على ظاهر الرواية؛ لأنه المملوك للمرأة ولا مالك للأمة وإنما هو على قول من فسر الخادم بكل خادم مملوكا لها أو لا، وقد أخذ بعضهم بما في الخلاصة أنها إذا كانت من الأرذال لا تستحق نفقة الخادم وإن كانت حرة؛ لأنه قيدها ببنات الأشراف قال في فتح القدير ويوافقه ما قيد به الفقيه أبو الليث كلام الخصاف حيث قال في أدب القاضي: لو فرض ما يحتاج إليه من الدقيق والدهن واللحم والإدام فقالت لا أعجن ولا أخبز ولا أعالج شيئا من ذلك لا تجبر عليه وعلى الزوج أن يأتيها بمن يكفيها عمل ذلك قال الفقيه أبو الليث هذا إذا كان بها علة لا تقدر على الطبخ والخبز أو كانت ممن لا تباشر ذلك فإن كانت ممن تخدم نفسها وتقدر على ذلك عليه أن يأتيها بمن يفعله وفي بعض المواضع تجبر على ذلك قال السرخسي لا تجبر، ولكن إذا لم تطبخ لا يعطيها الإدام وهو الصحيح وقالوا إن هذه الأعمال واجبة عليها ديانة وإن كان لا يجبرها القاضي ا هـ. ولذا قال في البدائع لو استأجرها للطبخ والخبز لم يجز ولا يجوز لها أخذ الأجرة على ذلك؛ لأنها لو أخذت لأخذت على عمل واجب عليها في الفتوى فكان في معنى الرشوة فلا يحل لها الأخذ ا هـ. وهو شامل لبنات الأشراف أيضا؛ ولذا استدل في البدائع لوجوبه ديانة بأنه عليه السلام: «قسم الأعمال بين علي وفاطمة فجعل أعمال الخارج على علي وأعمال الداخل على فاطمة» ا هـ. مع أنها سيدة نساء العالمين رضي الله تعالى عنها وأبوها صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق أجمعين وقيد بيسار الزوج؛ لأنه لا يجب عليه نفقة الخادم عند إعساره وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة وهو الأصح خلافا لما قاله محمد؛ لأن الواجب على المعسر أدنى الكفاية وهي قد تكتفي بخدمة نفسها، كذا في الهداية وتعقبه في فتح القدير بأنه مخالف لما ذكره أولا من لزوم اعتبار حالهما وأنه عند إعساره دونها ينفق بقدر حاله والباقي دين عليه وقياسه أن تجب النفقة للخادم دينا عليه ا هـ. وقد يقال إنما قيل في نفقتها ذلك للجمع بين الدليلين الآية وحديث هند وليس ذلك في الخادم فبقي على الأصل من اعتبار حاله وفي الذخيرة ولا تقدر نفقة الخادم بالدراهم على ما ذكرنا في نفقة المرأة، بل يفرض لها ما يكفيها بالمعروف، ولكن لا تبلغ نفقة خادمها نفقتها؛ لأن الخادم تبع للمرأة فتنقص نفقة الخادم عن نفقتها ولم يرد بالنقصان النقصان في الخبز؛ لأن النفقة بقدر الكفاية وعسى أن تستوفي الخادم من الخبز في الأكل أكثر مما تستوفي المرأة وإنما أراد به النقصان في الإدام ا هـ. وفيه أيضا والكسوة للخادم على المعسر قميص كرباس في الشتاء وإزار ورداء كأرخص ما يكون وفي الصيف قميص مثل ذلك وإزار وعلى الموسر في الشتاء قميص وطيء وإزار كرباس وكساء رخيص وفي الصيف قميص مثل ذلك وإزار، ثم لم يفرض للخادمة الخمار وفرضها للمرأة؛ لأن الخمار لستر الرأس، ورأس المرأة عورة ورأس الخادم ليس بعورة وفرض لها الإزار؛ لأن الخادم تحتاج إلى الخروج قال مشايخنا ما ذكره محمد في الكتاب من ثياب الخادم فهو بناء على عاداتهم وذلك يختلف باختلاف الأمكنة في شدة الحر والبرد باختلاف العادات في كل وقت فعلى القاضي اعتبار الكفاية في نفقة الخادم فيما يفرض في كل وقت ومكان ا هـ. وما ذكره من كسوة الخادم على المعسر إنما هو على قول محمد كما لا يخفى وفي غاية البيان، واليسار مقدر بنصاب حرمان الصدقة لا بنصاب وجوب الزكاة ا هـ. وإن اختلفا في اليسار والإعسار فالقول قوله إلا أن تقيم المرأة البينة ويشترط العدد والعدالة في هذا الخبر ولا يشترط لفظة الشهادة وإن أقاما البينة فبينتها أولى، كذا في الخانية، ثم اعلم أن نفقة الخادم إنما تجب على الزوج بإزاء الخدمة فإن امتنعت من الطبخ والخبز وأعمال البيت لم تستحق النفقة؛ لأنه لم يوجد ما تستحق النفقة بمقابلتها بخلاف نفقة المرأة فإنها في مقابلة الاحتباس فإذا لم تعمل تستحق النفقة، وهذا هو ظاهر الرواية، كذا في الذخيرة. (قوله: ولا يفرق بعجزه عن النفقة وتؤمر بالاستدانة عليه)؛ لأنه لو فرق بينهما لبطل حقه، ولو لم يفرق لتأخر حقها والأول أقوى في الضرر؛ لأن النفقة تصير دينا بفرض القاضي فيستوفي في الثاني وفوت المال وهو تابع في النكاح فلا يلحق بما هو المقصود وهو التوالد فلا يقاس العجز عن الإنفاق على العجز عن الجماع في المجبوب والعنين وأطلق في النفقة فشمل الأنواع الثلاثة فلا يفرق بعجزه عن كلها أو بعضها وقيد بالنفقة ليعلم حكم المهر بالأولى وفي غاية البيان معزيا إلى الفصول إذا ثبت العجز بشهادة الشهود فإن كان القاضي شافعي المذهب وفرق بينهما نفذ قضاؤه بالتفريق وإن كان حنفيا لا ينبغي له أن يقضي بالتفريق بخلاف مذهبه إلا إذا كان مجتهدا ووقع اجتهاده على ذلك فإن قضى مخالفا لرأيه من غير اجتهاد فعن أبي حنيفة روايتان، ولو لم يقض ولكن أمر شافعي المذهب ليقضي بينهما في هذه الحادثة فقضى بالتفريق نفذ إذا لم يرتش الآمر والمأمور فإن كان الزوج غائبا فرفعت المرأة الأمر إلى القاضي وأقامت المرأة البينة أن زوجها الغائب عاجز عن النفقة وطلبت من القاضي أن يفرق بينهما فإن كان القاضي حنفيا فقد ذكرنا وإن كان شافعيا ففرق بينهما قال مشايخ سمرقند جاز تفريعه؛ لأنه قضى في فصلين مختلف فيهما التفريق بسبب العجز عن النفقة والقضاء على الغائب وكل واحد منهما مجتهد فيه، وقال ظهير الدين المرغيناني لا يصح التفريق؛ لأن القضاء على الغائب إنما يصح عند الشافعي وينفذ في إحدى الروايتين عن أبي حنيفة إذا ثبت المشهود به وهنا لم يثبت المشهود به عند القاضي وهو العجز؛ لأن المال غاد ورائح ومن الجائز أن الغائب صار غنيا ولم يعلم به الشاهد لما بينهما من المسافة فكان الشاهد مجازفا في هذه الشهادة، وقال صاحب الذخيرة الصحيح أنه لا يصح قضاؤه؛ لأن العجز لا يعرف حالة الغيبة لجواز أن يكون قادرا فيكون هذا ترك الإنفاق لا للعجز عن الإنفاق فإن رفع هذا القضاء إلى قاض آخر وأجاز قضاءه فالصحيح أنه لا ينفذ؛ لأن هذا القضاء ليس بمجتهد فيه لما ذكرنا أن العجز لم يثبت ا هـ. وتعقبه في فتح القدير بقوله واعلم أن الفسخ إذا غاب ولم يترك لها نفقة يمكن بغير طريق إثبات عجزه بمعنى فقره وهو أن تتعذر النفقة عليها قال القاضي أبو الطيب من الشافعية إذا تعذرت النفقة عليها بغيبته ثبت لها الفسخ قال في الحلية وله وجه وجيه فلا يلزم مجيء ما قال ظهير الدين ا هـ. وهذا لا يرد ما قاله ظهير الدين لوجهين، الأول أنه ليس مذهب الشافعي والثاني أن كلامه في التفريق بسبب العجز لا في غيره وفي الذخيرة فرق بين النفقة وبين سائر الديون في الأمر بالاستدانة فإن في سائر الديون عليه الدين إذا عجز عن قضاء الدين لا يؤمر صاحب الدين بالاستدانة عليه وهنا بعدما فرض القاضي لها تؤمر بالاستدانة على الزوج والفرق بينهما أن المرأة لو لم تؤمر بالاستدانة عسى تموت جوعا أو يموت الزوج فتسقط نفقتها فكان الأمر بها لتأكيد حقها، وهذا المعنى معدوم في سائر الديون قال مشايخنا ليس فائدة الأمر بالاستدانة بعد فرض القاضي النفقة إثبات حق للمرأة عليه؛ لأن حق رجوعها ثابت بالفرض سواء أكلت من مال نفسها أو استدانت بأمر القاضي أو بغير أمره، ولكن فائدته أن يرجع الغريم على الزوج وبدون الأمر ليس له الرجوع عليه وإنما يرجع رب الدين على المرأة وهي ترجع بالمفروض على الزوج وفي تجريد القدوري أن فائدته أن تحيل المرأة الغريم على الزوج وإن لم يرض الزوج وبدونه ليس لها ذلك وذكر الحاكم في المختصر أن فائدته الرجوع على الزوج بعد موت أحدهما وبدونه لا رجوع ا هـ. أما في الذخيرة فقد ذكروا للأمر بالاستدانة ثلاثة فوائد لكن من جعل فائدتها إمكان الإحالة عليه بدون رضاه ظاهره أنه ليس لرب الدين الأخذ من الزوج بدون الحوالة وعلى الأول له ذلك كما لا يخفى ولم أر من ذكر الوجه في أمرها بالاستدانة دون أمره بذلك مع أنه المديون فكان ينبغي أن يأمره القاضي بالاستدانة، وقد ظهر لي وجهه بأنه لو أمر ربما تراخى في ذلك فيحصل لها الضرر فأمرت هي بالاستدانة لدفع الضرر؛ ولأن الغريم يطمئن لاستدانتها أكثر من استدانته باعتبار أنه يصير له المطالبة على شخصين الزوج والمرأة بخلاف استدانة الزوج فإنه لا يطالب إلا الزوج فلو أمره القاضي بالاستدانة لنفقتها قبل أن يأمره لم يكن بعيدا ولم أره منقولا واختلف في معنى الاستدانة فذكر الخصاف وتبعه الشارحون أنها الشراء بالنسيئة لتقضي الثمن من مال الزوج وفي المجتبى معزيا إلى ركن الأئمة الصباغي أنها الاستقراض فإذا استدانت هل تصرح بأني أستدين على زوجي أو تنوي أما إذا صرحت فظاهر، وكذا إذا نوت، وإذا لم تصرح ولم تنو لا يكون استدانة عليه، ولو ادعت أنها نوت الاستدانة عليه وأنكر الزوج فالقول له ا هـ. وأطلق في الاستدانة فشمل قريب المرأة والأجنبي، ولكن ذكر في شرح المختار أن المرأة المعسرة إذا كان زوجها معسرا ولها ابن من غيره موسر أو أخ موسر فنفقتها على زوجها ويؤمر الابن أو الأخ بالإنفاق عليها ويرجع به على الزوج إذا أيسر ويحبس الابن أو الأخ إذا امتنع؛ لأن هذا من المعروف قال الزيلعي فتبين بهذا أن الإدانة لنفقتها إذا كان الزوج معسرا وهي معسرة تجب على من كانت تجب عليه نفقتها لولا الزوج وعلى هذا لو كان للمعسر أولاد صغار ولم يقدر على إنفاقهم تجب نفقتهم على من تجب عليه لولا الأب كالأم والأخ والعم، ثم ترجع به على الأب إذا أيسر بخلاف نفقة أولاد الكبار حيث لا يرجع عليه بعد اليسار؛ لأنها لا تجب مع الإعسار فكان كالميت ا هـ. وأقره عليه في فتح القدير وينبغي أن يكون محله إذا لم تجد أجنبيا يبيعها بالنسيئة أو يقرضها فحينئذ يتعين على ولدها ونحوها، وأما إذا وجدت فلا وفي فتح القدير، ولو امتنع من الإنفاق عليها مع اليسر لم يفرق ويبيع الحاكم ماله عليه ويصرفه في نفقتها فإن لم يجد ماله يحبسه حتى ينفق عليها ولا يفسخ ا هـ. وفي المجتبى والذخيرة قال الزوج في مجلس أبي يوسف ليس عندي نفقة فقال خذي عمامته وأنفقيها على نفسك فيحتمل أنه علم أبو يوسف أن له عمامة أخرى وإلا لا تباع العمامة في النفقة وسائر الديون قال الخصاف ولا يبيع مسكنه وخادمه ويبيع ما سوى ذلك، وقيل يبيع ما سوى الإزار، وقيل يترك لنفسه دستا من الثياب ويبيع ما سوى ذلك، وقيل دستين وبه قال السرخسي، ولو كان له ثياب يمكنه الاكتفاء بما دونها يبيعها ويشتري ذلك ببعضها ويصرف الباقي إلى الديون والنفقة ا هـ. وسيأتي تمامه في الحبس وفي باب الحجر إن شاء الله تعالى. (قوله: وتمم نفقة اليسار بطروه وإن قضى بنفقة الإعسار)؛ لأن النفقة تختلف بحسب اليسار والإعسار وما قضى به تقدير لنفقة لم تجب فإذا تبدل حاله فلها المطالبة بتمام حقها وزعم الشارح الزيلعي أن هذه المسألة تستقيم على قول الكرخي حيث اعتبر حال الرجل فقط ولم يعتبر حال المرأة أصلا وهو ظاهر الرواية ولا يستقيم على ما ذكر الخصاف من اعتبار حالهما على ما علمه الاعتماد فيكون فيه نوع تناقض من الشيخ؛ لأن ما ذكره أول الباب هو قول الخصاف، ثم ثنى الحكم على قول الكرخي ا هـ. وأقره عليه في فتح القدير وهو مردود، بل هو مستقيم على قول الكل؛ لأن الخلاف إنما يظهر فيما إذا كان أحدهما موسرا والآخر معسرا وكلام المصنف هنا أعم من ذلك فلو كانا معسرين وقضي بنفقة الإعسار، ثم أيسرا فإنه يتم نفقة اليسار اتفاقا، وإذا أيسر الرجل وحده فإنه يقضي بنفقة يساره، ونفقة يساره في حال إعسارها عند الخصاف هي الوسط، وكذا إذا أيسرت المرأة وحدها قضي بنفقة يسارها وهي الوسط عنده فصار كلامه شاملا للصور الثلاث بهذا الاعتبار؛ لأنه لم يقيد بيسار الزوج وإن قلنا إنه المراد كما وقع التصريح به في الهداية فهو محمول على يسارها أيضا ومتى أمكن الحمل فلا تناقض وأشار المصنف إلى أن القاضي إذا فرض النفقة للمرأة فغلا الطعام أو رخص فإن القاضي يغير ذلك الحكم هذا في الظهيرية وفي الذخيرة، وإذا فرض القاضي لها ما لا يكفيها فلها أن ترجع عن ذلك؛ لأنه ظهر خطأ القاضي حيث قضى بما لا يكفيها فعليه أن يتدارك الخطأ بالقضاء لها بما يكفيها، وكذلك إذا فرض على الزوج زيادة على ما يكفيها فله أن يمتنع عن الزيادة ا هـ. وفي الخلاصة لو صالحته على أكثر من حقوقها في النفقة والكسوة إن كان قدر ما يتغابن الناس في مثله جاز وإن كان قدر ما لا يتغابن الناس فالزيادة مردودة ويلزمه نفقة مثلها ولا يبطل القضاء فلو أن القاضي فرض لها النفقة والسعر غال، ثم رخص تسقط الزيادة، وهذا يدل على أنه لا يبطل القضاء وتبطل الزيادة ا هـ. يعني لا يبطل أصل التقدير بزيادة السعر أو نقصانه حتى لو مضت مدة لا تسقط النفقة إذ لو بطل أصله لسقطت بمضي الزمان وسيأتي في مسائل الصلح عن النفقة قريبا إن شاء الله تعالى. (قوله: ولا تجب نفقة مضت إلا بالقضاء أو الرضا)؛ لأن النفقة صلة وليست بعوض عندنا فلم يستحكم الوجوب فيها إلا بالقضاء كالهبة لا توجب الملك فيها إلا بمؤكد وهو القبض والصلح بمنزلة القضاء؛ لأن ولايته على نفسه أقوى من ولاية القاضي بخلاف المهر؛ لأنه عوض البضع والمراد بعدم وجوبها عدم كونها دينا عليه فلا تكون دينا عليه يطالب به ويحبس عليه إلا بإحدى هذين الشيئين فحينئذ تصير دينا عليه فتأخذه منه جبرا سواء كان غائبا أو حاضرا سواء أكلت من مال نفسها أو استدانت وأطلق المصنف فشمل المدة القليلة لكن ذكر في الغاية أن نفقة ما دون الشهر لا تسقط وعزاه إلى الذخيرة فكأنه جعل القليل مما لا يمكن التحرز عنه إذ لو سقطت بمضي اليسير من المدة لما تمكنت من الأخذ أصلا ا هـ. والمراد بالرضا اصطلاحهما على قدر معين للنفقة إما أصنافا أو دراهم؛ ولذا عبر الحدادي بالفرض والتقدير فإذا فرض لها الزوج شيئا معينا كل يوم، ثم مضت مدة فإنها لا تسقط فهذا هو المراد بقولهم أو الرضا، وأما ما توهمه بعض حنفية العصر من أن المراد بالرضا أنه إذا مضت مدة بغير فرض ولا رضا، ثم رضي الزوج بشيء فإنه يلزمه فخطأ ظاهر لا يفهمه من له أدنى تأمل، وأما ما سيأتي من مسائل الصلح بلا قضاء ولا رضا فالمراد أنهما اصطلحا على شيء، ثم مضت مدة بعده كما لا يخفى وظاهر المتون والشروح أن المرأة ترجع بالنفقة المقبوضة سواء شرط الرجوع لها أو لا ويشكل عليه ما في الخانية والظهيرية القاضي إذا فرض للمرأة النفقة فقال الزوج استقرضي كل شهر كذا وأنفقي على نفسك ففعلت ليس لها أن ترجع على الزوج إلا أن يقول وترجعين بذلك علي ا هـ. ولم أر جوابا عنها ولعل المراد أنها لا ترجع بما استقرضت وإنما ترجع بما فرض لها؛ لأن المأمور باستقراضه قد يكون أزيد أو من خلاف الجنس وإن لم يؤول بذلك فهو غلط محض كما لا يخفى وفي الظهيرية إذا قال الرجل لآخر استدن علي لامرأتي وأنفق عليها كل شهر عشرة دراهم، وقال أنفقت، وقالت المرأة صدق لم يصدق على ذلك إلا أن يكون القاضي فرض لها النفقة فحينئذ يصدق؛ لأنها أخذت بإذن القاضي كذا هذا في الأولاد الصغار ا هـ. وأشار المصنف إلى أن الإبراء عن النفقة قبل القضاء والصلح باطل لما في الواقعات وغيرها المرأة إذا أبرأت الزوج عن النفقة بأن قالت أنت بريء من نفقتي أبدا ما كنت امرأتك فإن لم يفرض القاضي لها النفقة فالبراءة باطلة؛ لأنها أبرأته قبل الوجوب وإن كان فرض لها القاضي النفقة كل شهر عشرة دراهم صح الإبراء عن نفقة الشهر الأول ولم يصح عن نفقة ما سوى ذلك من الشهور، وكذا لو قالت أبرأتك عن نفقة سنة لم يبرأ إلا من نفقة شهر واحد؛ لأن القاضي لما فرض نفقة كل شهر فإنما فرض لمعنى يتجدد بتجدد الشهر فما لم يتجدد الشهر لا يتجدد الفرض وما لم يتجدد الفرض لا تصير نفقة الشهر الثاني واجبا، ولو قالت بعدما مكثت أشهرا أبرأتك من نفقة ما مضى وما يستقبل يبرأ من نفقة ما مضى ويبرأ من نفقة ما يستقبل بقدر نفقة شهر ولا يبرأ زيادة على ذلك وهو نظير من أجر عبده من رجل كل شهر بعشرة دراهم، ثم أبرأه من أجرة الغلام أبدا لا يبرأ إلا من أجرة شهر ا هـ. وأشار المصنف إلى أن الكفالة بالنفقة قبل الفرض أو التراضي على معين لا تصح وبعد أحدهما تصح كما في الذخيرة، ولو أن المرأة قالت للقاضي إن زوجي يريد أن يغيب وأرادت أن تأخذ منه كفيلا بالنفقة فإنه ليس لها ذلك؛ لأن النفقة لم تجب، وقال أبو يوسف أستحسن ذلك وآخذ منه كفيلا بالنفقة شهرا وعليه الفتوى؛ لأن النفقة إن لم تجب للحال تجب بعده فتصير كأنه كفل بما ذاب لها على الزوج فيجبر استحسانا رفقا بالناس، كذا في الواقعات زاد في الذخيرة أنه لا فرق في هذا الحكم بين أن تكون النفقة مفروضة أو لا وفي الذخيرة أيضا، ولو اختلفا فيما مضى من المدة من وقت القضاء أو من وقت الصلح فالقول قول الزوج والبينة بينة المرأة؛ لأنها تدعي زيادة دين والزوج ينكر فالقول قوله مع يمينه، وإذا ادعى الزوج الإنفاق وأنكرت المرأة فالقول قولها مع اليمين كما في سائر الديون ا هـ. وفي الظهيرية امرأة أقامت على رجل بينة بالنكاح فلا نفقة لها في مدة المسألة عن الشهود، ولو أراد القاضي أن يفرض لها النفقة لما رأى من المصلحة ينبغي أن يقول لها إن كنت امرأته فقد فرضت ذلك عليه في كل شهر كذا، وكذا ويشهد على ذلك فإذا مضى شهر، وقد استدانت وعدلت البينة أخذته بنفقتها منذ فرض لها ا هـ. وهو يدل على ما قلنا من أن الفرض من القاضي يصيرها دينا فلا تسقط بالمضي وإن فرض القاضي النفقة قضاء لا يقال إنه ليس بقضاء لعدم الدعوى؛ لأنا نقول طلبها التقدير دعوى ومسألة الإبراء تدل على أن الفرض في الشهر الأول تنجز وفيما بعده مضاف فتنجز بدخول الشهر وهكذا فلا يصح الرجوع عنه لما في الخانية من الصلح، ولو صالحت المرأة زوجها عن نفقة كل شهر على دراهم، ثم قال الزوج لا أطيق ذلك فهو لازم لا يلتفت إليه إلا إذا تغير سعر الطعام ويعلم أن ما دون ذلك يكفيها ا هـ. فإذا كان هذا في الصلح ففي فرض القاضي أولى؛ لأن له ولاية عامة فإذا قرر القاضي لها نفقة كل يوم أو كل شهر أو كل سنة لزم التقرير ما دامت في عصمته حيث لم يوجد مسقط وكان بقدر حالهما وفي خزانة المفتين، وإذا أراد القاضي أن يفرض النفقة يقول فرضت عليك نفقة امرأتك كذا وكذا في مدة كذا وكذا أو يقول قضيت عليك بالنفقة لمدة كذا يصح وتجب على الزوج حتى لا تسقط بمضي المدة؛ لأن نفقة زمان مستقبل تصير واجبة بقضاء القاضي حتى لو أبرأت بعد الفرض صح ا هـ. وهو دليل على ما قلنا من أن فرضها قضاء وأنه إذا فرضها، ثم مضت مدة لم تسقط، وقد نقل في فتح القدير أنه لا نفقة لها فيما إذا ادعى الزوج النكاح وهي تجحد أو عكسه واستشكله بأن فيه إضرارا بها وهو سهو؛ لأنه إذا كان منكرا إنما نفوا النفقة في مدة المسألة عن الشهود لا مطلقا مع أن القاضي إذا فرض لها جاز، وأما بعد قضاء القاضي بالنكاح بالبينة فلا شك في وجوبها، وقد علم من عطف المصنف الرضا على القضاء أن فرض القاضي بطريق الجبر وقدمنا أنه إذا فرض عليه أكثر من حاله فإن له أن يمتنع عن الزيادة، وكذا إذا اصطلحا على أزيد من نفقة المثل لما في الظهيرية، وإذا صالح الرجل امرأته عن نفقة كل شهر على مائة درهم والزوج محتاج لا يلزمه إلا نفقة مثلها، وإذا صالحها على دانق كل شهر جاز ولها أن تنقض إن لم يكفها ا هـ. وفي الذخيرة، وإذا صالحت المرأة زوجها من نفقتها على ثلاثة دراهم كل شهر فهو جائز وكان ذلك تقديرا لنفقتها والأصل أن الصلح بينهما متى حصل بشيء يجوز للقاضي أن يفرضه في نفقتها بحال فالصلح بينهما تقدير للنفقة ولا تعتبر معاوضة سواء كان هذا الصلح قبل فرض القاضي أو التراضي على شيء أو كان بعد أحدهما، وإذا وقع الصلح على شيء لا يجوز للقاضي أن يفرضه على الزوج في نفقتها بحال كالثوب والعبد ينظر إن كان الصلح بينهما قبل قضاء القاضي لها بالنفقة وقبل تراضيهما على شيء لكل شهر يعتبر الصلح منهما تقديرا وبعد أحدهما يعتبر معاوضة، وفائدة اعتبار التقدير أن تجوز الزيادة عليه والنقصان عنه وفائدة اعتبار المعاوضة أن لا تجوز الزيادة على ذلك ولا النقصان، وإذا صالحها على دراهم كل شهر، ثم قالت لا تكفيني زيدت، ولو قال الرجل لا أطيقه فإنه لا يصدق في ذلك فإنه التزمه باختياره وذلك دليل على كونه قادرا على أداء ما التزم فيلزمه جميع ذلك إلا أن يتعرف القاضي على حاله بالسؤال من الناس فإذا أخبروه أنه لا يطيق ذلك نقص عنه وأوجب على قدر طاقته فإن لم يمض شيء من الشهر حتى صالحها من هذه الدراهم عن شيء إن كان شيئا يجوز للقاضي أن يفرضه كما إذا صالح عن الدراهم على ثلاث مخاتيم دقيق بعينه أو بغير عينه فهو تقدير للنفقة وإن كان ثوبا أو نحوه فهو معاوضة ولا يشبه هذا الديون كما إذا كان لرجل على آخر ثلاثة دراهم فصالحه من الدراهم على ثلاثة مخاتيم دقيق بغير عينه فإن الصلح لا يجوز؛ لأن الصلح فيه معاوضة لوجوب الدين قبل الصلح فكان بيع دين بدين فلا يجوز إلا أن يدفع الدقيق في المجلس، وأما هنا فقبل مضي الشهر فالنفقة لا تصير دينا فلم يكن معاوضة وإنما هو تقدير للنفقة حتى لو مضى الشهر وصارت الدراهم دينا، ثم صالحها على دقيق بغير عينه لا يجوز أيضا لما قلنا ا هـ. وقد علم منه أن رضاهما وصلحهما على شيء صالح للنفقة بعد فرض القاضي النفقة مبطل لتقدير القاضي حتى لا يلزمه إلا ما تراضيا عليه بعد فرض القاضي فيستفاد منه أنهما لو اتفقا على أن تأكل معه تموينا بعد فرض النفقة أو الاتفاق على قدر معين فإنه يبطل التقدير السابق لرضاها بذلك وهي كثيرة الوقوع في زماننا وفي الذخيرة أيضا، ولو صالحها من نفقة سنة على ثوب جاز فإن استحق الثوب فإن وقع الصلح عليه بعد الفرض أو الرضا فإنها ترجع بما فرض لها أو تراضيا عليه؛ لأن أخذها الثوب شراء، وقد انفسخ بالاستحقاق فعاد دينها وإن كان قبل الفرض والتراضي رجعت بقيمة الثوب، ولو صالحها على وصف وسط ولم يجعل له أجلا أو أجله فإن كان قبل الفرض أو التراضي جاز وإن كان بعد أحدهما لا يجوز وصلح المكاتبة على نفقتها جائز كالصلح عن مهرها؛ لأنه حقها، وكذلك العبد المحجور إذا صالح عن نفقة امرأته، وقد تزوج بإذن المولى، وكذا صلح المكاتب عن نفقة امرأته كل شهر جائز بالأولى ا هـ.
|